طقوس الزواج الصحراوي بقلم: عالي ترفاس
الجمعة، 7 يونيو 2013
0
التعليقات
لا يمكننا
الجزم على ان عادات جميع القبائل الصحراوية متشابهة من حيث طقوس ومراسيم الزواج
الا انه ورغم الاختلافات التي قد نجدها حتى بين اعراش القبيلة الواحدة فسنركز على
الأساسيات التي يقل الاختلاف حولها وتكاد تكون قاعدة مشتركة تتبناها جميع القبائل
خصوصا أثناء مرحلة البداوة، فالأمهات في الصحراء يبدأن دورهن مبكرا في إعداد
بناتهن للزواج وهن في سن مبكرة عن طريق ما
يسمى عند أهل الصحراء "البلوح" وهي عملية تهدف إلى تسمين الفتاة عبر إخضاعها لنظام
غدائي يعتمد على تناول اكبر كمية من حليب النوق مما يجعلها تبدو اكبر من سنها
جسمانيا، وبالتالي يمكن تزويجها مبكرا، وبالموازاة مع عملية "البلوح"
يتم تلقين الفتاة ما تيسر من الشعر والأدب، واطلاعها على ما هو ضروري وأساسي في
التعامل مع الزوج المقبل وعائلته وبالتالي تكون الفتاة جاهزة لاستقبال الخطاب.
وتجدر الإشارة
إلى انه لم يكن هناك للعريس أو العروس دور رئيسي في الاختيار فهذه المهمة من اختصاص أب العائلة الذي كانت له كامل الصلاحية في تقرير تاريخ زواج ابنه أو ابنته والوجهة
التي سيذهب إليها، والتي كان النسب يلعب
فيها دورا أساسيا.
وكانت الخطبة
تتم بتوجه موكب مصغر يضم أقرباء العريس، يحملون معهم رأسا من الغنم "الذبيحة" وبعض السكر،
وهو الحمل المعتدل للناقة، نحو أهل العروس وفي ذلك اليوم يتم تحديد موعد الزفاف،
على ان الفتاة المخطوبة كانت تتميز بوضع ما يسمى محليا" افشيشة "وهي نوع
من الحلي الخرز، (الميال الحر)، بحيث يثبت على شعرها كدلالة على ان الفتاة مرتبطة
بعهد زواج مع إنسان معين فيما يشبه خاتم الخطوبة حاليا.
وفي اغلب
الأحوال لا يتعارف الخطيبان الا ليلة دخولهما ويتم الاحتفال بالزواج مدة سبع ليال
يحرص فيها أهل العروسين على ان يمر الاحتفال في احسن الظروف حتى لا يعاب عليهم أي تقصير من جانب الأقارب والجيران، وتتميز أعراس أهل الصحراء بحضور
"لمعلمين" ( طبقة الصناع والحرفيين الذين ينشطون هذه المناسبات، ويحوزون الهدايا والغنائم، "إيكاون"(مطربي
الأعراس والمناسبات، يأتون عادة من موريتانيا).
ولم تكن تتم
كتابة العقد في الليلة الأولى، بل كان الصحراويون يكتفون بقراءة الفاتحة مجتمعين،
وتتشكل تكاليف العرس في الغالب من عدد من الإبل المتفق عليه في الخطوبة، والسكر
والشاي وثلاث أو أربع "بيصات" من
"الخنط" او الثوب، والعطور وبعض الحلي المحلية(لخلاخل والدبالج)، وعدة
أشياء أخرى (لخواض، تيدك، والند...).
يجتمع الشيوخ
في خيمة العقد، وتجلس النساء في جانب و الرجال في جانب آخر وبمجرد قراءة الفاتحة
تطلق زغاريد النساء في الخارج ويقوم الرجال بإطلاق عيار ناري واحد(عمارة العقد)
إعلانا عن إتمام الزواج.
وأمام خيام
لفريك تنصب ما يسمى "خيمة الرك"
وتفصلها عن باقي الخيام مسافة احتراما لكبار السن، وبالخيمة زاوية
"البنية" التي تحاط بثوب ابيض يرمز للطهارة والصفاء، وتكون مخصصة
للعروسين اللذين يقضيان بها أيام العرس دون ان يبرحاها الا في اليوم الأخير الذي
كان يخصص لزيارة العروس لخيمة والديها مصحوبة بوصيفاتها من بنات عمومتها
وخادماتها، فيلحق بها العريس لتناول وجبة الغداء في ضيافة عائلتها.وتجدر الإشارة
إلى ان مدة الزواج قد تقلصت من7 إلى 3 ليال فقط أصبحت السيارات تحل محل الإبل في
تشكيل مواكب الأعراس وظهرت الآلات الموسيقية العصرية كمنافس "للخدم"
اللاتي كن مطربات أعراس البداوة دون منازع، غير أن التنافس والحرص على تقديم
الهدايا المادية والعينية لازال منتشرا حتى اليوم في أعراس حواضر الصحراء، ولازال
الزواج من ابنة العم و ابنة الخال منتشرا حتى اليوم وذلك لما يحفظه من استمرار
العائلات والأفخاذ،وصون أواصر التضامن والتكافل بين أفراد العشيرة الواحدة.
ويكمن سر زواج
الشباب الصحراوي سابقا في سن مبكرة في مشاركته في تنمية ممتلكات آسرته مما يؤهله
اقتصاديا في سن مبكرة عكس الإكراهات المادية التي أضحت اليوم سببا في تأخر الزواج
سواء بالنسبة للشاب أو الفتاة، فبالنسبة لهذه الأخيرة تعتبر عانسا إذا تجاوزت سن
الثالثة والعشرين من عمرها.
وفي ليلة العرس يتم تجهيز العروسين، فالعروس تكلف
بلباسها "لمعلمة " ، إذ تقوم بظفر
شعرها بالقرنفل، وتضع الحناء وتلبس ملحفة سوداء وتلفها من خصرها إلى قدميها بملحفة بيضاء، أما العريس فيرتدي دراعة بيضاء
ولثاما اسود وبلغة، ويلقب طيلة أيام العرس
ب"مولاي"، ويرافقه وزيره، وتكون مهمة هذا الوزير توزيع هدايا العرس على
الأطفال والنساء وهو ما يسمى محليا .
"
العادة"، كما انه يتحمل مسؤولية ضبط الأمن وحماية العريس من المقالب التي
يدبرها أهل العروس من اجل إضفاء نوع من التسلية على العرس، كإخفاء العروس عن
عريسها من قبل بعض صديقاتها وذويها وهو ما يسمى محليا "الترواغ" لتبدأ
عملية البحث عنها من قبل أصدقائه وعائلته، ويصاحب هذه العملية حماس كبير وعراك
ساخن بين أنصار كلا من العروسين، ففي الليلة الأولى يتوجه العريس إلى "خيمة
الرك" رفقة وزيره وأصدقائه، أما العروس فتروح لعريسها محمولة على اذرع بني
عمومته، ويرافق "تراوح العروس" حماس كبير بترديد أناشيد مثل:
فرح أللا فرح يا الله
ويدوم الفرح إنشاء الله.
الا هي إنشاء الله أعروس الخير يا الله.
وعلى أم العروس
ان تجهز"خيمة الرك" قبل دخول العريس وذويه إليها بكل ما يلزم من فراش
وعطور وبخور واواني الشاي، إما دور أب العروس فيتمثل في "الرحيل " وهو-
قديما – عبارة عن جمل أو جمليين، وهودج، وزربية وفرو، وحصائر ولباس وهو ما يسمى
محليا "الفسخة " أو "
الرحيل"، هذا الأخير الذي يبقى في ملكية الزوجة طوال عمرها.
ومن عادات ما
بعد الزواج عند أهل الصحراء إن العروس لا ترحل من خيمة أبيها إلا بعد إنجابها،
لتتعلم من أمها طريقة تربية الأبناء والاضطلاع بسائر الشؤون الزوجية الأخرى، وخلال
فترة وجودها عند أهلها يزورها الزوج من وقت للآخر، حيث تقام له ولزوجته
"بنية" وعموما لم تتغير طقوس الزواج حاليا إلا بدخول عناصر أخرى أكثر
تطورا ورقيا، أما جوهر التقاليد فلازال محترما من جميع القبائل بالصحراء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق