المواقع الأثرية بمنطقة آسا – النقوش الصخرية نموذجا
الخميس، 14 مارس 2013
0
التعليقات
المواقع الاثرية باســــــــــــا
الادوات الحجــــــــــرية : تزخر المناطق المطلة على طول حوض وادي درعة على كميات مهمة من الأدوات الحجرية التي صنعها إنسان ماقبل التاريخ من الصلصال. وقد استخدمت لأغراض مختلفة مرتبطة بأحجامها وأشكالها المتنوعة هذه الأدوات عبارة عن أحجار مصقولة استعملت للقطع كالسكاكين أو للصيد كرؤؤس الرماح والسهام, إضافة إلى استعمالها كأدوات لتصليح جلود الحيوانات أو الحفر والنقش على الحجر, وعلى الرغم من نذرة المعلومات الكافية الخاصة بصانعي هذه الأدوات أو بتطور ظروف حياتهم وعيشهم نتيجة لقلة الدراسات المعمقة في هذا المجال, فإن بعض الملاحظات الأولية لهذه القطع الحجرية المستصلحة أكدت على انتمائها إلى العصر الحجري القديم الذي قد يصل تاريخه إلى أكثر من مليون سنة قبل الميلاد ولما ظفر إنسان العصر الحجري القديم بالعظام والخشب والعاج إلى جانب الحجر, فقد صنع لنفسه مجموعة متنوعة من الأسلحة والأدوات نذكر منها: الصاقلات, الفؤوس, الصفائح ,الكاشطات, المثاقب, الحراب, السندانات, الخناجر اشصاص السمك , الخوابير , وغيرها....
النقوش الصخـــــــــــــرية : النقوش الصخرية هي رسوم فنية أنجزت من قبل الإنسان خلال عصر ما قبل التاريخ, وقد كان هذا الفن وسيلة لتعبير عن فكره وثقافته وعقيدته قبل ظهور الكتابة، هذه الوثائق المنقوشة هي شهادات عن حضارات قديمة تطورت خلال آلاف السنين في إفريقيا الشمالية من المحيط الأطلنطي إلى مصر ومن جبال الأطلس إلى دول الساحل . ان مشاهد الصيد والحرب والرموز التي تدل على المعتقدات هي في الواقع رسائل منقوشة على شكل لوحات تروي لنا الحياة اليومية لإنسان ما قبل التاريخ والأنشطة المختلفة، وترجع إلينا مسألة فهمها وفك رموزها ومحاولة إدراك سياق انجازها، وتمكننا دراستها من التعرف على هذه المجموعات البشرية التي مازالت بعض مظاهرها تطبع ثقافاتنا في الوقت الحاضر. تعكس الرسوم المنقوشة والمرسومة جزء من السلوك الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للإنسان القديم الذي أنجزها. وتعطي معلومات حول الوسط الطبيعي الذي كان يعيش فيه وتشهد رسوم الحيوانات المتكونة من البقريات, الزرافات ووحيدات القرن والفيلة والنعامات...على وسط طبيعي معشوشب, معظم هذه الحيوانات انقرضت من مناطقنا وهو ما يعكس تدهور الغطاء النباتي الناتج عن التغيرات المناخية. نستخلص إذن أن هذه المناطق الجافة حاليا لم تكن كذلك في ماضي قريب. أما في ما يخص مواقع الفن الصخري المنقوش بالمغرب فتعود الاكتشافات الأولى لهذا التراث إلى نهاية القرن التاسع عشر. وتم إلى حد اليوم جرد أكثر من 300 موقع موزعا على مجموع التراب . تقع هذه المواقع في غالب الأحيان في الهواء الطلق وهي توجد عموما على ضفاف الأنهار وبالهضاب العليا ويمكن تقسيمها حسب موقعها الجغرافي إلى ثلاث تجمعات كبرى: هضاب الأطلس الكبير,وعلى طول ضفاف وادي درعة وضفاف الأودية الجافة بالأقاليم الصحراويــــــــــــة. أما فيما يخص تأريخ النقوش الصخرية. فبعد أزيد من مائة سنة من الأبحاث والدراسات, يظل تحديد تأريخ النقوش الصخرية صعبا, لأننا لا نتوفر على معطيات مادية تمكن من تأريخها مباشرة. تبقى دراسة التطابق بين النقوش الصخرية و لون زنجرتها (الزنجرة هو اللون الذي تتخذه الصخور مع مرور الزمن)، الوسيلة الوحيدة لوضع تسلسل زمني نسبي لنقوش تنتمي إلى نفس الموقع، ورغم ذلك يقر أغلب الباحثين على أن النقوش القديمة جدا ترجع إلى فترة زمنية تتميز بمناخ رطب تعود إلى أربعة أو إلى ثمانية آلاف سنة قبل عصرنا. أما فيما يخص التقنيات المستخدمة فإلى وقتنا الحاضر لا نعرف جيدا لا حركات ولا أدوات النقش التي استعملها الإنسان القديم لإنجاز هذه النقوش وأن الدراسات التجريبية في هذا الميدان لم تعرف بعد تطورا هاما، أما الملاحظات المدققة للنقوش الصخرية تمكننا من استنتاج أن التقنية تم التوصل إلى إنجازها إما بتقنية النقر أو بتقنية الصقل وكلتا التقنيتان استخدمتا أحيانا والنقر عادة يسبق عملية الصقل. تقنية النقر: تتم عن طريق الدق المباشر أو غير المباشر فوق الصخرة وذلك بواسطة أداة حجرية أو معدنية نحصل بواسطتها على خط مكون من حفيرات متتالية وغير منتظمة تمام، هذه التقنية استخدمت بكثرة خلال فترة البقريات وبشكل واسع خلال الفترة الليبية- البربرية. الصقــــــــل: يتم الحصول عليه عن طريق الاحتكاك بواسطة أداة وحركة الذهاب والإياب فوق خط سبق رسمه أو نقره، وينتج عنه خط منتظم له مظهر جانبي على شكل"V" أو "U"، استخدمت هذه التقنية بكثرة خلال الفترة القديمة المسماة ب "الجاموس الطبيعي" وكذا في الأسلوب الذي يدعى "تزينا". الزنجـــرة: هو مصطلح جيولوجي يعني اللون الذي تتخذه الصخرة على مر الزمان بفعل تعرضها لعناصر المناخ وهي ناتجة عن تحول سطح الصخرة، يمكن أن يأخذ هذا التحول ألوانا ومظاهر مختلفة ومتعددة، ترتبط اختلافات الزنجرة بطبيعة الصخرة ومكوناتها وكذا العوامل المؤدية إلى تشكلها(عوامل فيزيائية- كيمائية- ميكانيكية- بيولوجية). يبقى لون الزنجرة معيارا لتقدير أقدمية التقنية والوسيلة الوحيدة لوضع تسلسل نسبي لنقوش موقع- الأبحاث والدراسات التي أنجزت حتى وقتنا الحاضر لاستخلاص معايير من مكونات الزنجرة قصد تأريخ النقوش. لم تتوصل بعد إلى منهجية مضبوطة لهذا الغرض. أما في ما يخص الصخور الحاملة للنقوش فهي عموما من نوع الصخر الحثي وهي تبرز في العديد من المناطق وتنتمي إلى مختلف الأزمنة الجيولوجية من الزمن الأول(السلوري، الأردفيي، الكمبري) والثاني (الترياسي). الحث هو صخرة ذات تكوين دقيق ومتجانس ونسبيا ناعم ويقدم أرضية ممتازة تسهل فيها عملية النقش بالإضافة إلى أنها توفر أظلاف مسطحة أو أفقية أو عمودية أو مائلة، تستعمل صخور من نوع آخر كالصخور الكلسية، ولكن الأعمال المنقوشة عليها لم تحفظها هذه الصخور بسب عدم قدرتها على مقاومة عوامل التعريـــــــــــــــــــــة.
المآثر التاريخيـــــــــــــــة:
القصــــــــــــــــــــــر: قبل الحديث عن حدود موقع آسا لابد من الإشارة في البداية إلى أننا لا نسعى إلى تحديد حدوده تاريخيا، بل في الوقت الحالي باعتباره جزءا لا يتجزأ من مدينة آسا التي تقع في الجنوب المغربي وبالضبط جنوب شرق واد نون على بعد حوالي 110 كلم من مدينة كلميم شمالا، و تنتمي إلى حوض درعة. يتخد قصر آسا شكل هلال مسايرا بذلك الوحدات التضاريسية التي بني عليها والمجاورة له، حيث يقع فوق ثلة مرتفعة يبلغ ارتفاعها حوالي 200 متر ، ويتحكم شكل انتظام مجرى الوادي في الحد من توسع القصر في اتجاه الشمال والشرق، فبقي يتوسع بشكل هلالي ويفصل الوادي ما بين القصر والمدينة الحديثة التي تحده من جهة الشمال والشرق، أما من جهة الغرب فتحده بداية سلسلة جبال باني، وتحده من جهة الغرب الحمادة. مجموعة من الأبحاث و الدراسات التي اهتمت بالمنطقة تؤكد أن ماضي"قصر آسا" يعود إلى آلاف السنين من الزمن الحجري سواء فيما يخص تعميره وكذا المنشآت الاجتماعية والدينية والسياسية، وانطلاقا من الهندسة المعمارية التقليدية التي شيد بها القصر يتضح لنا أن هذا التنظيم وهذه الهندسة تثير الانتباه وتشده إليه لعدة عوامل، منها ما يتعلق بطريقة البناء وأسلوبه ومنها ما يتعلق بالتنظيم الداخلي لمكوناته، فالتناسق والتناغم الذي شمل أجزاء هذا القصر وصفاء المقومات التي ارتكز عليها والدقة والمنظر الذي يحيط به، كل ذلك جعل من الهندسة التقليدية القديمة للقصر فنا معماريا يفرض نفسه ويوحي بالإعجاب ويظهر ذلك أيضا من خلال استعمال الحجارة كمادة أساسية في البناء على أن الأهمية الإستراتيجية للموقع تبرز بجلاء كبير من خلال هيئة أبراجه التي كانت تصل إلى ثمانية أبراج متناسقة الأشكال يضاف إلى كل هذا سور يحيط به من كل الجوانب، هذا علاوة على الأبواب الخارجية ذات المصراعين المسمكين من العود، تفتح على محاور مصرعة بالمسامير، تفتح هذه الأبواب و تغلق بنظام داخلي تنظيمي لا يمكن الإخلال به .
زاويــــــــــــــــــــــة آسا : يعود تأسيس الزاوية إلى القرن 7ه \13م على يد الشيخ إعزى ويهدى، ومنذ تأسيسها شكلت إشعاعا ثقافيا ودينيا هاما، ومما جعل ساكنة المنطقة يطلقون على آسا أسماء عديدة نابعة من اعتقادهم ببركة هؤلاء الأولياء و الصالحين المنتسبون للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا عنها "المدينة المقدســـــــة" و "بلد الأمان" و "بلد 366 ولي" وعرفت هذه الزاوية نهضة كبيرة مع الفتح العربي للمغرب، فمنذ القرن 14ه شكلت زاوية آسا مركزا ثقافيا وحضاريا، إسلاميا مهما بفضل وجود مدرسين مكلفين بتلقين المبادئ الإسلامية ، والدينية لروادها من الطلبة، ومع بداية القرن 17م أصبحت آسا قبلة لتجمعات بشرية خاصة الرحل المنتمين لقبيلة "أيتوسى" الذين تعايشوا مع السكان المحليين من الأصول الأمازيغية. إلى جانب دورها الديني شكلت زاوية آسا من خلال الموسم الذي يقام فيها سنويا والمسمى "أموكـــــــــــــــــار" حلقة وصل بين الجنوب "السينغال تنبكتوا" والمراكز الشمالية كإيليغ والصويرة ومراكش، ويعتبر هذا الموسم على غرار باقي مواســـــم واد نون مناسبة لتبادل السلع و الأفكار. وينعدم حينها حمل السلاح، وأهم ميزة يتسم بها أنه يكتسي صبغة تجارية ودينية في آن واحد: دينية تتمثل في إحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومناسبة لإشباع الجانب الروحي من خلال التراتيل الدينية وتلاوة القرآن وإسداء المواعظ وكذا قراءة بعض النصوص الدينية. تجارية تتمثل في كون المكان يشهد حركة دؤوبة لتسويق بعض المواد والسلع كالأفرشة والأدوات المعدنية والمواشي بشتى أنواعها، ويتم في أخر أيام الموسم نحر نحيرة- حسب المعتقدات المحلية- تقربا للزاوية ولأولياء الصالحين بها. مواقع تواجد النقوش الصخرية بمنطقة آسا. تزخر الأودية الجافة بهذه المناطق الصحراوية بالعديد من مواقع النقوش الصخرية، عشرون موقعا مدرجا ضمن لائحة الجرد العام لهذا التراث بالمغرب، ولقد تم إغناء عددها خلال العقد الأخير بفضل اكتشاف العديد من المواقع الهامة، والتي إكتشفت بها رسومات صخرية في حين تظل مواقع أخرى لم تكتشف بعد وتنتظر من يخرجها إلى حيز الوجود، ومن بين هذه المواقع:
1-موقع واحة آسا ووادي درعة: و توجد هذه المواقع على طول وادي درعة وخواصر جبل باني و في أطراف جبل أوريل الأنبياء و في طرف الجبل المحاذي للقصر وكذا الجبل الموجود بفم مدفع آسا وعلى رأس جبل وادي آسا في الجهة الشمالية منه، أما في مجال وادي درعة فقد ثم العثور على بعض من هذه الرسومات في منطقة تاملوكو ومنطقة لحويضات بالإضافة إلى فيضة موسى، وكذا في مدخل الوادي من جهة آسا ومنطقة وين فكيك على الجهة الشمالية لسفح الجبل الموالي للوادي، وفي بعض أطراف من جبل واركزيز، حيث تقدر هذه النقوش بالمئات، وينتمي هذا الموقع إلى المرحلة الليبية- البربرية – ويضم نقوش منجزة بتقنية النقر التي تعتبر من سمات هذه الفترة. تجسم هذه النقوش الحيوانات المدجنة (الماعز، الجمل، الكلب)، وحيوانات متوحشة (النعامة، الضبع، زرافة)، بالإضافة إلى حيوانات أخرى كالحصان والفيل والغزال والضبي والبقريات ومشاهد لصيد البقريات، تضاف إلى هذه الرسوم كتابات ليبية- بربرية، وقد لقيت هذه النقوش في بداية الأمر اهتماما من طرف الباحثين الأجانب الذين كانوا يأتون إلى المنطقة بغية اكتشاف هذه المواقع، معتمدين في ذلك على وسائل وأدوات متطورة تمكنهم من معرفة نوعية هذه النقائش وتسلسلها الزمني والطريقة التي تم الاعتماد عليها في رسم هذه النقيشة، وفي هذا الإطار لابد من التذكير بجهود الباحثة الفرنسية O. du Puigaudeau ، التي زارت المنطقة خلال الخمسينات من القرن الماضي، حيث نشرت مقالا في جريدة: Journal de la Societé des Africanistes .1952.Tonne 22.pp7_15 ضمنته بعض الرسومات (البقر- فيل – فارس يصطاد في وضعية صيد يحمل رمحا متجها نحو البقرة...). التي شاهدتها أو عاينتها بالواحة والتي للأسف الشديد اندثر أغلبها في ظروف غامضة فيما لا تزال صور بعض الرسومات التي عرضتها موجودة بطرف الجبل و ناحيته الشمالية .
2-موقع تويزكي الــــــــــــــرمث : يوجد هذه المواقع في الجهة الشرقية لمنطقة آسا على بعد 35 كلم, وبالتحديد على طول حافة الشريط الجبلي وفي بعض المواضع من الواحة (النخيل) الممتدة على مقربة من السد المحدث مؤخرا وكذا شرق كويرة جماعة أسفل الوادي, ولئن كانت بعض هذه المواقع قد تعرضت للتلف بفعل عاديات الزمن ومقالع الحجارة التي تم استقدامها من هناك أثناء أشغال بناء السد، فإن بعض الصخور لازالت في مأمن وتحتاج إلى عناية من طرف المهتمين حتى لا تكون عرضة للتلف والإهمال. ولعل من أبرز الرسومات الصخرية التي عايناها في هذا الموقع نجد: الفيـــــــــل: وهي نقيشة رسمت بأسلوب تزنا اعتمادا على طريقة الصقل, تتموضع على واجهة صخرة فاتحة اللون, يتخذ فيها الفيل حركية في اتجاه الغرب. وحـــــيد الـــقــرن: وقد رسم هو الأخر بطريقة الصقل اعتمادا على أسلوب تزنا يتوسط واجهة صخرة داكنة اللون, يتخذ فيها الحيوان وضعية هجومية في اتجاه الشمال. حمـــــــار: يتواجد على زنجرة صخرة فاتحة يغشيها بعض سواد, تعتمد طريقة نقشه الصقل و أسلوب تزنا, وهو في وضعية حركية يتجه نحو الجنوب، يتواجد إلى جانبه حيوان يعتقد أنه ضبي أكبر منه حجما يعتمد هو الأخر أسلوب تزنا و طريقة الصقل في حالة ساكنة متجها نحو جهة الشرق .
3- موقع تــا سكــــــــــــــا لة : أسكالة ليس سوى موقعا كباقي المواقع يتوفر على مجموعة من النقوش الصخرية وهي تبعد عن آسا بحوالي 74 كلم، تختلف مواضيع هذه النقوش كما تختلف الحقب التاريخية التي يمكن للدارس أن يضعها فيها، ونلاحظ في هذه النقوش هيمنة الجمل بصفة كبيرة وبأشكال مختلفة، إلى جانب الكتابات البربرية والتي يمكن أن تكون بداية لظهور اللهجة البربرية بالمنطقة أو بالأحرى تعلم الإنسان الأمازيغي الكتابة، فهذه الحروف الأمازيغية ستتحول فيما بعد إلى لغة خاصة به، وهذه المرحلة يسميها المتخصصون اللبيووية-الأمازيغية ومن مميزاتها حسب المتخصصون أنها بداية لظهور اللوحات الصخرية والمعروفة بالكتابة الليبووية القديمة وبعدها كتابة تيفيناغ إلا أنه من الصعب وضع هذه الفترة في إطارها الزمني نظرا لما لها من خصائص مشتركة مع مرحلة الخيل. نجد أن التأريخ لهذه الكتابة الأمازيغية والتي هي المؤشر الرئيسي لتصنيف نقوش ما ضمن المرحلة الليبيووية –الأمازيغية، تعترضه عدة صعوبات أولها وأهمها في الوقت نفسه أن المختصين لاحظوا وجود أنواع مختلفة من طرق الكتابة في المنطقة وعلى الرغم من تعدد أنواع هذه لكتابة، فلا يعني ذلك انعدم التشابه بينها وبين المواقع الأخرى، الشيء الذي يؤكد أن هناك تفرع عن الأصل الوحيد تبعا لمنطق تاريخي معين على حد تعبير كابرييل كامبس إذا اعتبرنا أن المنطقة لا تختلف بالشئ الكثير عن المواقع، التي قام بدراستها هذا العالم إلى جانب هذه النقوش التي تعرف كتابات امازيغية كما أشرت لها سابقا، توجد مجموعة من النقوش التي تعرف هيمنة الحيوانات ومن أهمها الجمل، والمعروفة بمرحلة الجماليات ومن مميزاتها العامة ظهور وحيد السنام في الوحات الصخرية وهو مؤشر على بداية المرحلة الأخيرة للفن الصخري، ويعزى ذلك إلى كون لوحات الجمل لها زنجار مفتوح، مفتوحة اللون وأسلوبها متدهور ويمكن التاريخ لهذه الفترة بالاستناد لبعض الدراسات عن الأصل الأسيوي لجمل الشمال الإفريقي المد جن، ويرجع تاريخ دخول هذا الحيوان إلى المنطقة في بداية التاريخ الميلادي ، معنى هذا أن أقدم اللوحات الصخرية للجمل لا يمكنها أن تتجاوز هذا التاريخ ومن الناحية الاركيولوجية دائما يمكن أن نتحدث عن طبقات يرجع تاريخها للعصر الحجري الحديث منها ما هو قد يؤرخ بالعصر الحجري القديم ( بقايا كثيرة للجماليات) وهذه تبقى فقط دراسة مقارناتية بين النقوش الصـــخرية بالمنطقة والنقوش الصخرية الأخرى التي نالت حظها من الدراسات العلمية . إلى جانب هذه النقوش يوجد نقش أخر على الصخور وهو لحيوان تم نقشه بواسطة الصقل على كنمط كان سائدا في هذه المنطقة ويتضح نمط تازينا كنمط كان سائدا في هذه المنطقة ومن خصوصياته أن المكان الذي يتم صقله يصبح يحمل نفس اللون الذي يحمله الحيوان . أما النموذج الأخر للنقوش الصخرية فقد اختلف الناس في وضع تفسير له, فالبعض يعتبره خيمة تم نقشها على هذه الصخرة، والبعض الآخر اعتبره مركب وأصحاب هذا الرأي يبررون موقفهم هذا بكون هذا النقش على ضفاف نهر درعة وكما انه من المعلوم أن هذا الوادي كان دائم الجريان، مما يطرح فرضية وجود مراكب كانت تصول وتجول في هذا الوادي وتربط بين هذه المنطقة والمحيط والأطلسي عبر درعة، وهذا يبقى فقط عبارة عن افتراضات تحتاج إلى الكثير من الدقة والدراسة العلمية من طرف المختصين والاركيولوجيين .
النقوش الصخرية و سبل حمايتها و تثمينها
قاومت النقوش الصخرية الزمن لتصل إلينا وتخبرنا عن الحضارات التي عمرت بلادنا منذ قرون، هذه الأعمال الفنية التي تركها الإنسان القديم تمدنا ببعض المعلومات الثمينة حول حياته اليومية، وتعتبر هذه الوثائق إرثا فوض إلينا وينبغي إذن حمايته والحفاظ عليه بعناية لنقله إلى الأجيال المقبلة .
ومن خلال دراستنا للنقوش الصخرية السالفة الذكر، تبين لنا تعرضها للتلف والضياع حيث تم اقتلاعها ونهبها. بإضافة إلى أن بعضها الأخر تم طلائه بالصباغة وبالتالي تشويه صورة النقيشة، كما أن بعضها الأخر تعرض لخدوش حديثة من صنع الرحل، إلا أن السبب الرئسي في تضرر هذه النقوش تبقى هي ظاهرة المقالع، حيث يتم استعمال الصخور المنقوشة في عملية بناء البيوت وتزيين المنازل, بالإضافة إلى المخاطر الطبيعية المرتبطة بالتقلبات المناخية وعوامل التعرية وزحف الرمال وأخرى بشرية نتيجة لتوسع الأنشطة الإنتاجية والرعي الجائر والنشاط السياحي الغير مسؤول والإغراءات المادية التي تدفع إلى النهب وتدمير هذه الآثار, مما يستدعي تضافر جهود الجميع من أجل توفير كافة سبل الحماية الممكنة والدعوة إلى تعزيز جهود التوفيق في اتجاه تجميع كافة المعطيات والدراسات المعروفة وإنجاز خرائط للمواقع مع الاستفادة من التقنيات الحديثة في مجال التصوير الفوتوغرافي وكذا إلى تعزيز التعاون والتبادل العلمي الدولي حول طرق القيام بدراسة للمواقع النقوش الصخرية بهذه المنطقة، وذلك بهدف المساهمة في إغناء وترشيد دراسة الفن الصخري والتمكين من فهم مصدر مختلف مراحل أعمار المنطقة خلال الحقب السابقة. لذا وجب عند الاكتشاف المفاجئ للنقوش أن نعلم بأن كل فرد هو ملزم بأن يراعي هذه النقوش فهي إحدى مكونات تراثنا الثقافي، ويجب علينا جميعا حمايتها من كل تخريب أو نهب.ينص الظهير الشريف رقم 1-80-143 الصادر بتاريخ 17 صفر1401 الموافق ل 25 دجنبر 1980م و يتضمن الأمر بتنفيد القانون رقم 22-80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية و المناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، إذن فكل اكتشاف يجب التصريح به إلى المؤسسات الوصية ويصبح ملكا للدولة، التراث الصخري المنقوش معترف به كتراث للإنسانية على الصعيد الدولي وهذا بفضل عمل مجموعة من المنظمات والمؤسسات الدولية:
اليونسكو(منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة)
إيكروم (المركز الدولي لصيانة و ترميم الثروات الثقافية)
ليكوم (المجلس الدولي للمتاحف)
إيكوموس (المجلس الدولي للمآثر و المتاحف)
بالإضافة إلى قيمة هذه النقوش كتراث للإنسانية و بعدها الثقافي الكوني، لا أحد يمكن أن يجهل المؤهلات السياحية لهذه المواقع وخاصة منطقة آسا التي تتميز بواحاتها وقصرها الجميل لدا فإن رد الاعتبار إليها وتأهيلها واستثمارها في ميدان السياحة الثقافية سوف يؤدي إلى التنمية السوسيو- اقتصادية والثقافية على المستوى المحلي والجهوي والوطني. خلال أزيد من قرن للتنقيب عن هذا التراث الصخري، تم اكتشاف مواقع مهمة ذات قيمة كبيرة، في حين بقيت مواقع أخرى عرضة للإهمال والنسيان، لدا وجب القيام بدراسة شاملة لهذه المواقع وإخراجها إلى حيز الوجود والتعريف بها عبر تقويم جميع النقوش وتصويرها، وجمع كل المؤشرات والبقايا الأثرية المجاورة لها والتي تمكن من تأريخها وتفسير بعض خباياها وظروف انجازها، كون هذا التراث صار مهملا ومعرضا للتلف والاندثار بالرغم من انه يشكل ثروة ثمينة، لدا وجب أن يكون محط عناية ليس فقط من قبل المؤسسات الحكومية بل أيضا من قبل الجماعات المحلية والهيئات المنتخبة والفاعلين العاملين في مجال التنمية المستدامة، ستمكن الشراكة الحقيقية والتعاون الفعال بين مختلف هؤلاء الفاعلين من انقاد هذا التراث وحمايته وتنميته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق